مقالات دينية

الإيمان بدون رجاء ومحبة يائس وعقيم

وردا اسحاق

وردا اسحاق

 

 

الإيمان بدون رجاء ومحبة يائس وعقيم

بقلم / وردا أسحاق قلّو

الأيمان هو فعل الأنسان مؤسس على ثقة مرجوة تعلن كشهادة لمبدءٍ ما يقرره عقله وضميره ، ومن ثم يعلنه بدون إرتياب . عندما يعلن المسيحي قانون الأيمان ويقول ( أؤمن بإله واحد ) فإنه يصرح للملأ بأنه يصدق ويثق بالله الواحد بملء الثقة مُسَلِماَ ذاته إليه بدون قيد وشرط . فعليه أن يصبح أميناً بأعترافه وملتزماً بكليته بما يؤمن به . الله خلق الأنسان حراً ، فكل إنسان حر بإيمانه . المسيح لم يجبرأو يخدع أحداً من تلاميذه ، بل هم أعلنوا أيمانهم وأعجابهم به لهذا ( تركوا كل شىء وتبعوه ) ” مر 1: 17-18 ” . كذلك كان الشاب الغني حراً في عدم إيمانه عندما ( أنطلق حزيناً لأنه كان ذا مال كثير ) ” مر 22:10 ” . إذاً الإيمان المسيحي هو الحب العميق في كيان الإنسان ، يعلنه بدون إكراه وبملء الحرية الواعية . قال يسوع لتلاميذه عن الإيمان به ( الذي يؤمن فذاك يخلص ) ” مت 31:24″ ، والمسيح لا يعني هنا بالإيمان المجرد من أعمال المحبة ، فهناك الكثيرين في المسيحية يؤمنون بأن الخلاص هو بالأيمان وحده معتمدين على بعض نصوص الكتاب من دونها ، فبولس الرسول الذي قال ( فآمن أبراهيم بالله ، فحسب له ذلك براً ..أما الذي لا يعمل وإنما يؤمن به يبرر الأثيم ، فأن إيمانه يحسب له براً ) ” روم 4: 3-5 ” فتعليمه لا يختلف عن تعليم المسيح ورسله ، بل ما يقصده بولس في رسالته إلى روما يعطف على كلامه في آيات أخرى يطلب من المؤمن الأيمان المقترن بأعمال المحبة ، لهذا نجده يقول في “غل 6:5” ( لأنه في المسيح يسوع لا الختان ينفع شيئاً ولا الغرلة ، بل الأيمان العامل بالمحبة ) فصفة العامل بالمحبة يشرحها لنا بوضوح في ( 1 قور 13: 4-7 ).

من قول المسيح ( المؤمن به يخلص ) نعلم بأن للأيمان غاية ، وهي الرجاء الذي يهدف إلى الخلاص ، وهذا يتطلب إلى دخول الأنسان في شركة حقيقية مع سر الله الذي خلق الأنسان على صورته ومثاله ويعمل بوصاياه . المؤمن ليس رجل الأيمان فحسب ، بل رجل الرجاء والمحبة للجميع كخالقه ( إله المحبة ) . إنه الله الواحد المطلق في ماهيته اللامتناهية في القداسة وكما في جميع كمالاته . في قدرته الكلية ، وفي محبته ، إنه هو ( الكائن ) كما أوحى ذلك لموسى ( خر 14:3 ) وهو ( المحبة ) كما يعلمنا الرسول يوحنا ( 1يو 8:4) وهذه اللفظين يعبران عن الحقيقة الألهية ذاتها لذاك الذي أراد أن يعرف نفسه لنا ، والذي ( مسكنه لا يقترب منه ) ” 1كيم 16:6″ .

فالمطلوب من المؤمن أن لا يبقى يتراوح على رقعة الأيمان منتظراً ، بل أن يتخطى نحو الأمام ليصل إلى ثمار الأيمان والرجاء بهدف الخلاص ، والرجاء يخلق للمؤمن الفرح الدائم لأنه سائر نحو ملء محبة الله واللقاء به ، وهذه المحبة تبدأ مع القريب أولاً . أما الرجاء فهو الأيمان بالمحبة الإلهية والثقة التامة للحصول عليها ، كما أن رجاء الإنسان بدأ منذ سقوط الأبوين في جنة عدن ولحد اليوم . الكتاب المقدس يحتوي على قصص لمسيرة فضيلة الرجاء التي تقود الإنسان إلى الهدف . في عصرنا رغم الحروب العنيفة والظلم والسبي والمآسي المفجعة التي نعيشها  أو نسمع بها ، فالمؤمن لا يجوز أن يفقد رجاءه بسببها ، وبسبب المحبة المسيحية التي يمتلكها والتي لا غمض فيها ، أنها تتحمل كل شىء من أجل المستقبل ، وذلك بسبب ثقة ذلك المؤمن بصورة المستقبل الغير المنظور الذي رسمه لنا الأنجيل المقدس لكي نؤمن بأن ( وجه البار سيشرق كالشمس — ما لم تراه عين … أعده الله للذين يحبونه – كنز غير متوقع – سيرى وجه الله …الخ ) في صميم الأضطهاد والمحن لا يفقد صاحب الإيمان رجاءه لأن حياته قد سلمها لحنان الله ، لهذا رغم المآسي سيشعر في هذه الدنيا بمذاق الفردوس  الموعود ، بل يختبر ما في السماء ويعيشه على هذه الأرض ، والملكوت تبدأ من قلب المؤمن الملىء بالمحبة , أختبر قديسين كثيرين حياة السماء على هذه الأرض ، فالمسيحي في هذا الزمن ينبغي أن لا يعيش في إيمان بارد لكي لايصيبه الضعف واليأس فيرفضه الله  ، بل عليه أن يكون حاراً منيراً ومثالاً صالحاً ، لأن هذا الزمن ليس للأنتظار والكآبة وعدم الثقة بالمكتوب ، بل على نقيض ذلك إنه وقت ملائم لأعلان حكمة البشارة للعالم أجمع . إنه الواجب المطلوب من كل مؤمن ، بل هو وصية الرب للجميع ( إذهبوا إلى العالم أجمع ، وبشروا الخليقة كلها بالأنجيل ) ” مر 15:16″ . يجب إذاً أن نفضل هذا العمل على كل أمور الحياة الزائلة . البشارة برجاء الأنجيل هي بشرى محبة المسيح لكل البشر . وكل الناس محاطين بمحبته الإلهية ومات من أجل خلاص الجميع . قال البتابا القديس مار يوحنا بولس الثاني ( أن فادي الأنسان يسوع المسيح ، هو في محور الكون والتاريخ ) . على المؤمن بالمسيح أن يتقاسم رجاءه بالمسيح مع الذين لا يشاطرونه الإيمان ، لأن المحبة الواحدة تقربهم من بعضهم كعائلة بشرية واحدة في هذا الكوكَب ، والمسيح يعمل فيه منذ البدء ، ونوره يشع على جميع البشر ذوي الإرادة والأعمال الصالحة وإن لم يكونوا مؤمنين . قال الرسول ( الذين عملوا الصالحات سيقومون إلى الحياة ، أما الذين عملوا السيئات ، يقومون إلى الهلاك ) ” يو 29: 5 ” . الغير المؤمن الذي يعمل الصلاح في ضميره يوجد ( بذور الكلمة الحية ) وتلك البذور هي حجارة الأساس ، وهي نقاط الأرساء ، وجميع هذه القيّم تدعم حياة أبناء الأمم الغير المؤمنة للبحث عن الحق , فكل تعمل فيه بذرة الكلمة سيقول له الرب ، ستكون معي في الفردوس  كما قال للص الغير المؤمن المصلوب على يمينه ” لو 44:23″ قد يكون الغير المؤمن أكثر محبة وذو أعمال صالحة للآخرين من المؤمن . ومثال السامري الصالح خير مثال ، وكذلك طالع ( أصحاح 25 للبشير متى ) .

طموحات كثيرة يسعى إليها كل من له رجاء وبأصرار يومي في سبيل بناء مدينة البشر على أساس المحبة ، وتلك المدينة يجب أن تقترب من مدينة الله المبنية على حجارة حية ، وملاطها هو محبة الأنسان المؤمن لأخيه الغير المؤمن ن أجل خلاصه . المسيح أحب الجميع وصلى ليس من أجل المؤمنين به فحسب ، بل أيضاً من أجل الذين سوف يؤمنون به بسبب بشارة المؤمنين لهم ، إنهم خراف من قطيع آخر ، ويريد الجميع أن يكونوا واحداً كما هو والآب واحد ( يو 7: 20 -21 ) .

ختاماً نقول : الإيمان بدون رجاء ومحبة فراغ مخيف ، يجب أن يحيا الإنسان في إيمان حر وحار فيه الرجاء ومحبة للخلاص ،  ليس له فحسب ، بل لكل إنسان ، وكل إنسان هو أخو المؤمن وقريبه ، فالإنسان في الرسالة المشيحانية هو غاية تجسد المسيح وموته على الصليب ، أي في قلب رسالة المسيح يوجد إنسان ( الإنسان كله ) والذي يشكل الأمم كلها ، فالبشرى الإنجيلية ليست للمؤمن وحده ، بل لكل إنسان ، فرجاءنا نحن المؤمنين يجب أن يشمل خلاص الجميع ونصلي من أجل الجميع ليكونوا من حصة المسيح الذي مات من أجل الجميع  .

 له المجد الآن ، وفي كل أوان وإلى أبد الآبدين . 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!