مقالات دينية

القديس العجيب مار أحا مطرافوليط حدياب

الكاتب: وردا اسحاق

 

 

القديس العجيب مار أحا مطرافوليط حدياب 

 

 إعداد / وردا أسحاق قلّو

بعد أن جاهد القديس مار يعقوب مؤسس دير بيث عابي  جهاداً حسناً في كل أنواع النسك فملأ من النعم الروحية ، أعد من بعده مدبرين يقتفون أثره وسيرته ونهجه، ومنهم القديس العجيب مار أحا الذي كان يمتلك جَمال النساك ، وفخر الرعاة ، ونموذج كمال ذوي الخمس وزنات ، لأنه كان أميناً وحكيماً ونقياً متقلداً مفاتيح العلّو والعمق والطول بموهبة روح القدس الساكن فيه .

ولد مار أحا في قرية ( أواخ ) حالياً تسمى ( أفوكي ) القريبة من جبل كارة في مقاطعة طلانا القديمة ، وهي مندثرة حالياً بالقرب من جبل كار في منطقة عطوش في مقاطعة طلانا في منطقة مَركا .

 مثل النبي إرميا الذي اختاره الله لمعرفة الأعمال العجيبة وقراءة المستقبل ، فقد أجله الله وجعله بهياً ومرموقاً في هيئته وتركيب جسده وتناسق أعضائه . يا لبهاء الصالحين الذين يخصهم الله بروعة الجمال ! فجمال شيت البار كان مدعاة لتمجيد خالقه الذي جدد فيه جمال أبيه آدم ، ولم تقو المآثم على كسف جمال يوسف ، وجمال موسى رفع شأنه ، وبه واضع الرب المصريين وسخر بهم . وكان جمال داود يطرد الروح الشريرة من شاول ، وجمال دانيال ورفاقه أطفأ اللهيب ، وسد فم الأسود ، وليس المقصود هما جَمال الجسد فحسب ، بل جَمال النفس والجسد معاً . فأن الصديقين أضفوا على الجَمال المنظور الذي حبتهم الطبيعة أياه وأمدتهم به النعمة ، جَمال النفس والإرادة المتوثبة لأرضاء الله . أما رئيس دير بيث عابي مار أحا فنقلوا عنه الينا الذين كتبوا أمجاده ، أنه كان ذا جمال رائع وقد رشيق وصوت رخيم ، علاوة على طهارة سيرته وصفاء تعليمه البديع . حينما أبصر النور من أبوين مؤمنين ورعين ، كانت هذه القرية تشتهر بالتقى والصلاح ، حتى قيل إنه كان في كنيستهم سبعون كاهناً في آن واحد  . ذاق الطوباوي مار أحا مع أخيه الآخر وأسمه ( شوحا لمارن ) طعم اليتم منذ نعومة أظافرهما بموت والدهما . فقامت أمهما المؤمنة بتربيتهما حتى بلغا سن الرشد ، فخرجا من قريتهما وأتيا مع والدتهما إلى ( شلمث ) وحالياً تسمى ( شرمن ) الواقعة على مسافة 16 كم إلى الشمال الغربي من عقر على سفح الجبل ، وهي من أشهر قرى سفسفا . دخلا مدرستها ، وكان يعيشان مما يدره عليهما عملهما وشغل أمهما العجوز . كانا مثابرين على تعليم العلم الإلهي .، والله الذي صان جَمال يوسف وموسى في مصر ودانيال في بابل ، صان أيضاً جَمال مار أحا من التجارب . ولما بلغ الأخوان سن الشباب ، أتيا وتتلمذا في دير بيث عابي . لما أنهيا فترة الأبتداء ، أستقدما والدتهما العجوز التي جدت في ترملها وأشتغلت بيديها وربتهما بعمل يديها وقادت خطاهما في عهد الصبى وابتعدتهما عن الطيش بمشوراتها ، وعنيت غليلهما من الكتب المقدسة ، فوفياها دين الطبيعة وظلت تعيش بقربهما إلى يوم وفاتها ولهما لم يهملا خدمتها قط .

كان ربان مار أحا يصنف كتباً وأخوه يصفحها ، وبمقدار نموه الجسدي كان مار أحا يتقدم أيضاً في السيرة الفاضلة التي يمارسها الرهبان الحقيقيون في النفس والجسد ، وشرع بقمع أهواءه ويكبح حواسه وينظِم قواه ز فتحقق فيه ما كتبه أحد القديسين ( أن العلم في الصغر ينمو ويمتزج مع النفس ) . ولزم الأختلاء زماناً طويلاً وهو يشتغل بالروح والجسد حسب وصية الآباء ، فكان يعطي من ثمار عمله الجسدي للمحتاجين ويقبل الغرباء . وبشغله الروحي كان يستنير وينير ويهتدي ويهدي إلى أن دعته الطاعة إلى القيام بأعباء رئاسة الدير.

بسبب لأنتخاب مار يوحنان لأسقفية كرسي بيث بغاش الرسولي ظل دير بيث عابي بدون رئيس وعلم مار أحا أن الرهبان سيجتمعون معاً لأنتخابه رئيساً عليهم ، فترك صومعته وأختفى مستتراً في الشرفة نفسها عدة أيام ، وحينما رسم الطوباوي يوحنان بوضع يد البطريرك صليبا زخا أتى إلى الدير وسال عنه ، قيل له إنه هرب . فأمر منذراً أخاه أن يدلهم على مخبئه ، فذهب مع الأخوة وأتوه من المخبأ الذي كان فيه . ونزولاً عند أمر مار يوحنان ، وتلبية لطلب جماعة الأخوة قام مار أحا الجميل الطلعة والفكر برئاسة هؤلاء الكواكب الناطقة ، أبناء ملاك النور مار يعقوب القديس ن فسار مثله بالطهر والتواضع ، ولم تساور الأفكار نفسه الزكية إنه رئيس ومدبِر ، بل مفوض إلى الآخرين وكالة الأمور العامة ومراجعة الولاة . أما هو فكان قابعاً بأختلاء في صومعة الآباء حسب عادة الرؤساء الذين سبقوه ، وحسب التقليد الجاري . كان الدير يرسل له كل مساء وجبة وحيدة من الطعام ليست بالغالية أو المطبوخة بعناية ، إنما قوامها خبز بسيط وقليل من الطبيخ مع الماء ، هكذا شرعت سفينة نفسه تسير بقيادة الرياح الهادية ، وقد أنتشر شراعها فصارت تطير وتمر فوق الأمواج التي تغرق سفن الغافلين وتجهز على ثرواتهم كتبوا عنه الشيوخ إنه حينما كان يأتي إلى الصلاة يقف في رأس الزمر ، لم يكن ليرفع نظره قط ليتفرس في أحد منذ بدء الصلاة حتى ختامها ، بل كان يخفضه إلى رجليه وينظر إلى رأس مداسه ويظل هكذا من البدء إلى ” آمين ” الأخيرة . فجعل من حواسه عبيداً خاضعة للنظام منذ الأبتداء ، وتخلق بعادات حميدة ، ولم يعطي الحرية لجسده وإن كان لوحده . حسبما أوصاه أستاذهالأنبا أشعيا ( كان من نساك الصعيد المصري المشهورين والذي عاش في سلخ القرن الرابع الميلادي ) وهكذا طيلة مدة رئاسته ، لم يحتج بنو جمعيته إلى تعليم أو ارشاد ، بل كان حسبهم النظر إلى شخص القديس ، مثل ذلك الأخ الذي كان كل سنة ينطق مع رهبان آخرين كثيرين إلى الأب أنطونيوس لكي يتعلم من منظره الأقتداء بمزاياه ، هكذا كان مار أحا مرآة المحاسن الإلهية في كل شىء ، وكانت عيون أبنائه تتفرس في وجهه الطافح جمالاً يوليهم الطمأنينة ويثير فيهم الأعجاب والرغبة في الأقتداء بحياته الطاهرة .

إلى اللقاء في الجزء الثاني

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!