مقالات دينية

الكاهن مدعو ومنتخب من الله

الكاهن مدعو ومنتخب من الله

بقلم / وردا إسحاق قلّو

الكاهن مدعو ومنتخب من الله

( … ودعا الذين أرادهم فأقبلوا إليه . فأقام منهم أثني عشر يصحبونه فيرسلهم يبشرون ) ” مر 3: 13-14 “

   الكهنوت سر من أسرار الكنيسة السبعة . وخدمة الكاهن رعوية ، وكل رموز الكهنوت في العهد القديم كانت رمزاً لكهنوت المسيح الذي دعاه الله حبراً على رتبة ملكيصادق ( عب 5: 10 . 20:6 ) كان المسيح على الصليب كاهناً وذبيحة على مذبح الصليب ، وكهنوته لا ينتهي ، بل يغدو حاضراً في كهنوت الخدمة من غير أن تنقص وحدانية كهنوت المسيح . فالمسيح هو الكاهن الحقيقي على المذبح ، وعلى كرسي الإعتراف ، وما الكهنة سوى خدام لأسرارهِ المقدسة ( عب 4:7 ) والمسيح هو الذي أسس سر الكهنوت لكي يجعل من الكنيسة ( مملكة من الكهنة للهه أبيه ) ” رؤ 6:1 ” . وهو مصدر الكهنوت وجعل الرسل ( الأساقفة ) خلفاءً له ، وبواسطتهم تنتقل الخدمة الرعائية إلى الكهنة المكرسون على صورة المسيح الكاهن الأعظم ، ليبشروا بالكلمة ويخدموا الأسرار ، ويكونوا رعاة للمؤمنين ، ويقيموا لهم الشعائر الدينية بحكم كونهم كهنة حقيقيين للعهد الجديد .

   الكهنوت ليست وظيفة يختارها الإنسان ، بل دعوة إلاهية يتجاوب معها المدعو بحرية بعد أن يشعر في داخله بالنعمة التي وهبها الله له والتي ترفعه إلى قبول سر الكهنوت .

    أجل الله هو الذي يختار الكهنة للخدمة ، ففي العهد القديم هو الذي دعا إبراهيم وموسى وهارون والأنبياء . وهو الذي اختار أيضاً مريم وإصطفاها من بين كل نساء العالم لتكون أماً له . ويسوع هو الذي دعا الرسل الأثني عشر ( لو 1:9) ، ومن ثم دعا التلاميذ السبعين ( لو 1:10 ) .

   إذاً ليس أحد يختار لنفسه هذه الخدمة إلا من دعاه الله ، كما تقول الآية ( وما من أحد يتولى بنفسه هذا المقام ، إلا إذا دعاه الله كما دعا هارون ) ” عب 4:5″ . والدعوة هي مبادرة إلهية يدعو من يريد لخدمة أسراره ، لهذا قال يسوع لرسله ( ليس أنتم إخترتموني ، بل أنا إخترتكم ) ” يو 16:15 ” . المختار يشعر بالصوت الداخلي ويلبي الدعوة كما حصل لإبراهيم فأنطلق . لا يجوز للأهل الوقوف ضد الدعوة السماوية ، بل أن يفرحوا  ويشجعوا إبنهم ويقفوا معه لأنه سيبصح لهم أباً وفخراً وسيكون له أبناء وبنات كثيرين في رعيته . 

   سفر العبرانيين يتحدث كثيراً عن سر الكهنوت ودعوته ، فللكاهن في لاهوت هذا السفرصورة رائعة ، تقول الآية ( فإن كل حبرٍ متخذ من الناس يقام لأجل الناس فيما هو لله ليقرب تقادم وذبائح عن الخطايا ) ” عب 1:5 ” . الله يدعو الكاهن لخدمته في العهدين . فالله هوالذي يسبق الكاهن في إختياره له ومنذ البداية ،  وهذا ما توضحه لنا الآية على لسان الله ، تقول ( قبل أن أصورك في البطن عرفتك ، وقبل أن تخرج من الرحم قدستك وجعلتك نبياً للأمم ) ” أر 7:1 ” . فالدعوة ليست وظيفة لكي يختارها الإنسان ، إنما هي إعلان حب سماوي للإنسان المنتخب الذي يسمع صوت الله من خلال سلسلة من الإشارات والنداءات التي يتركها الله لكي تتغلغل بصمت وسكون وبكل حب داخل ضمير الإنسان وقلبه ووجدانه إلى أن يتجاوب . وبعدها تأتي مرحلة قبول الكنيسة الرسمي لهذه الإستجابة . الله لا يريد أبداً كاهناً يتبعه مرغماً خالياً من الحب ، ومستعد للتضحية فيترك أهله وهذا العالم ويتبع صوت الله . لذلك فمعرفة الدعوة يجب أن تجد طريقها إلى قلب الشاب الذي يصغي إلى صوت الدعوة لكي تدخل في عمق تفكيره وإحساسه فتؤثر على تصرفاته وأخلاقه وإستعداده الكامل , فكل دعوة إذاً هي حوار صداقة حقيقية بين المسيح الفادي والإنسان الذي إختاره من بين الشعب .

   كاهن الأمس ليس أقل شأناً من كاهن اليوم ، لأن كلاهما يتشابهان ويتمثلا بالمسيح الذي ضحى وقدم في شخصه الصورة النهائية للكاهن في السنوات التي قضاها على الأرض محققاً في ذاته كهنوتاً خدمياً . كان الرسل أول من تقلدوا الكهنوت الذي أراد يسوع أن يدوم ويستمر ويتكاثر بلا إنقطاع إلى زمن مجيئه الثاني . فكاهن الألفية الثالثة يكمل عمل الكهنة الذين سبقوه ليبقى الكهنوت دائماً . وعلى مثال المسيح على الكاهن أن يبشر بالكلمة . ويقيم الأسرار. ويزور المرضى والمحتاجين والسجناء . وينظم رعيته ويديرها لأنه وكيل المسيح المنظور والمنتخب ، ومن أسمى أعماله هو الإحتفال بالذبيحة الإلهية على مذبح الكنيسة . فالكهنة بإسم المسيح وفي شخص المسيح بفعل سر الكهنوت المقدس فعليهم أيضاً أن يقتدوا بمعلمهم ويمثلونه أمام المؤمنين . أما الأسقف أو الكاهن الذي يستغل منصبه لمنافع شخصية ضيقة كحب المال ، فالمال هو أصل كل الشرور ، نعن يوجد الكثيرين منهم منحرفين عن الوصايا فيعملون كمرتزقة بسبب حبهم للمال وإقتناء كنوز هذا العالم فيبيعون بعض الأسرار المقدسة مقابل المال الذي جعلوه أسمى من وصايا السيد ، فما أتعس الأسقف أو الكاهن عندما يقبل الهدايا بحجة خدمة الكنيسة أو لنفسه ولا يكترث بأنه يشوه صورة المسيح والمسيحية في الوسط الذي يعيش فيه . ما أتعسك يا رجل الإكليروس عندما تسابق الأغنياء بمقتنياتك (بيتك وسيارتك ورصيدك ) . وبسبب مصالحهم لا يعملون بوضوح ، بل يعملون بعض أعمالهم بالخفية والسر ، وقد يلعبون دور المجرب لزرع الفتن بين الأخوة المؤمنين الذين يعيشون مع بعضهم بمحبة المسيح .

 أما الراعي الصالح لرعيته فهو إبن النور وفخر لأبنائه فيقتدون به ويحترمونه ويعترفون بمكانته وأهميته في الكنيسة ، فيلبون لمساعدتهِ في أعمال الخورنة بحب صادق ليسيروا معاً نحو ملء النضوج في المسيح يسوع ” أف 13:4 ” . و ( إلى أن يتصور المسيح فيهم ) ” غل 19:4 ” .

 ولحبرنا الأعظم يسوع المجد والتسبيح .

التوقيع ( لأني لا أستحي بالبشارة . فهي قدرة الله لخلاص كل مؤمن ) ” رو 16:1 “

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!