مقالات دينية

كيف نفهم أيقونة مار كوركيس في ضوء ما اعتمده الفنان روفائيلو لرسمها

الكاتب: وردا اسحاق

 

كيف نفهم أيقونة مار كوركيس في ضوء ما اعتمده الفنان روفائيلو لرسمها

بقلم الفنان التشكيلي / وردا أسحاق قلّو 

            اللوحة بريشة الكاتب

غالباً ما يطلق على هذا القديس بأمير الشهداء . أستشهد في عهد الأمبراطور دقلديانوس . لديه معجزات كثيرة ، وهو شفيع لبلدان كثيرة ، والكنيسة الكاثوليكية جعلته نصيراً لها فأعلنت قداسته في مجمع عام 404 م الذي أقيم في روما في عهد البابا جلاسيوس الأول .

في فرنسا نجد كنائس كثيرة باسم هذا القديس ، وفي روسيا القيصرية رسموا صورته على حصون كثيرة وأنشأت الأمبراطورة كاترين وساماً رفيعاً سمته وسام جاورجيوس ، وكان على شكل صليب منقوش في وسطه صورة القديس ، كان يمنح للقادة المنتصرين في المعارك . كما أتخذته روسيا شفيعاً لها قبل الثورة البلشفية 1923م . ومن ثم أعادته روسيا الجديدة بعد الشيوعية شفيعاً لها .

أما بريطانيا ففيها 152 قرية بأسمه ، وصورته منقوشة على الجنيه ، وتعتبر عيده عيداً قومياً وعطلة رسمية تسمى ( جنيه الذهب البريطاني ) . أما في لبنان فهناك خليجاً بأسمه تقع عليه مدينة بيروت .وهكذا يكرم في اليونان وجورجيا المشتق اسمها من أسم القديس وزامبيا والبرتغال وفلسطين والنمسا وأيطاليا . أما في العراق فللقديس النصيب الأكبر في عدد الكنائس والمذابح التي سميت بأسمه تكريماً له .كما له أسماء كثيرة منها كوركيس ، جاوروجيوس ، جاؤرجيوس ، جرجس ، جريس ، جورج وغيرها .

بعد أن نتمعن بجدارية مار كوركيس  جيداً لنسأل ونقول من أين أخذ الرسام الأيطالي الموهوب روفائيلو فكرة رسم الأيقونة بهذا الشكل ؟ طبعاً لا توجد أيقونة مرسومة بطريقة كيفية وبحسب ذوق وتفسير الفنان لوحده ، لأن الأيقونة بحد ذاتها هي قصة لموضوع ما من الكتاب المقدس أو سيرة ذاتية لقديس ، ففكرة رسم أي أيقونة يجب أن تدرس دراسة دقيقة من قبل آباء الكنيسة مع الرسام قبل الشروع في رسم الأسكيتشات التخطيطية للموضوع والتي تقدم الى اللجنة مرة أخرى للأتفاق الأخير عليها بعد دراسة الموضوع من الناحية التفسيرية واللاهوتية وكذلك الفنان يبدي بآرائه لشرح موضوع الألوان وتوزيع المساحات والمنظور وغيرها قبل أن يبدأ بالرسم .

أيقونة مار كوركيس جاءت فكرتها من سيرة حياة القديس الذي كان ضابطاً في الجيش الروماني ، فعليه أن يرتدي قيافة عسكرية كاملة ويكون بحالة أستعداد للقتال . لكن الحروب التي يخوضها أبناء الكنيسة ليست

مع ذوي الدم واللحم ، بل مع أجناد الشر الروحية ” أف 12:6 ” لهذا يجب أن يعبر الرسم عن الأثنين ، ملابس الجندي الروماني الذي يرتدي الخوذة والدرع والبدلة العسكرية ونطاق على الخصر ، أضافة إلى تقلدهُ للسيف والرمح ، أضافة إلى ركوب الحصان لكونه ضابطاً . كل هذه التجهيزات والأسلحة فسر غاياتها الرسول بولس كالآتي : الخوذة التي تؤمن سلامة الرأس ترمز إلى الخلاص الذي يتحكم على أفكار الأنسان . اما الدرع الذي يغطي منطقة الصدر فيرمز إلى البر والقداسة لأنه يعطي القلب الذي هو نبع القداسة وحسب قول الرب (… من القلب الطيب يخرج الطيب .. ) وكلمة الرب التي في القلب تمنحه وتنقيه لأنها فاحصة القلب والأفكار ” عبر 12:4″ وكذلك تغسله وتطهره من كل عيب ” أف 26:5 ” .

أما الحزام الذي يحيط وسط المحارب ليشد قامته لكي يكون قادراً على السيطرة والتحكم في كامل بدنه ، يعني أن المؤمن يمنطق حقويه بالحق والصدق والأمانة ، ومطلوب منه أن يكون مستعداً لمساعدة المحتاج كما قال داود النبي ( إنما خير ورحمة يتبعاني كل أيام حياتي ) ” مز 6:23 ” .

 السيف الذي يحمله القديس فيرمز إلى كلمة الله التي هي أقوى من السيف ذو الحدين ، أنه كلمة الله التي حملها مار كوركيس لهدم معاقل الأبليس ، فسيفه لم يكن سيف الحروب الجسدية ، بل سيف الحروب الروحية ، أي الصليب المقدس الذي رسمه الفنان على جنب القديس ، أنه سيف المحبة الذي به غَلِبَ العالم .

أما الفتاة والبيت التي رسمها الفنان خلف الفارس فيرمزان إلى عروس المسيح ، أي كنيسته المقدسة التي حاربها تنين الوثنية وبحث عنها ليلتهمها ” رؤ 13:12″ .

مار كوركيس هو الرمز للرب يسوع الراكب على الحصان الأبيض الذي يقصي ويحارب ممالك الأمم بالعدل ، تقول الآية ( ثم رأيت السماء مفتوحة ، وإذا حصان أبيض يسمى راكبه الأمين الصادق الذي يقضي ويحارب بالعدل ) ” رؤ 11:19″ . فالحصان الأبيض بين ألوان الأفراس الأربع في سفر الرؤيا يدل على أنه مناوىء للمسيح ، كما نرى فيه الكرازة الأنجيلية التي كان يكرز بها القديس مار كوركيس ، بل يرمز إلى المسيح نفسه ، ثم نقرأ عن الحرب والجوع والوباء في سفر الرؤيا ، وفرادة الفرس الأبيض ، فالقوس بيد الفارس ( الرمح بيد مار كوركيس ) نقرأ عنها في العهد القديم قوس الله وسهامه ، أي أحكام الله وعقوباته ( طالع عنها في تث 32: 41-42 . حب 3: 8-9 ) وفي ( حز 5: 16-17 ) ( أرسل عليهم سهام الجوع القاتلة ، سهام التدمير والوحوش الضارية وأنزل فيهم الوباء والدم بسبب الحروب ) . كذلك في ( رؤ 8:6 ) نجد نفس الرمز وهو القوس ( السهام ) المرتبطة بالنكبات عينها . وهكذا نستنتج رمزاً من الفارس الأبيض وهو دينونة الله الأخيرة . والفارس الأبيض هنا معه أكليل يجسد أحكام الله ، ويوضح أن وظيفة الفارس الأبيض ( المسيح ) الرئيسية هي أن يحارب ويدين وفي نهاية الوحي نرى بوضوح أن الديان هو المسيح نفسه ( رؤ 2:6) وفي ( رؤ 19 : 11-16 ) يدعى راكبه الأمين الصادق ويسمى بعد ذلك ( حكمة الله ) ” رؤ 13:19 ” ( وكان يرتدي ثوباً مغمساً بالدم … ) وهكذا رسم الرسام عباءة حمراء للقديس . العباءة الحمراء الذ ي يرتديها القديس والتي ترمز إلى ثياب الرب المخضبة بالدم ، وكما أن المسيح لوحده داس المعصرة وحسب قوله في أش 3:63 ( دست المعصرة وحدي ومن الشعوب لم يكن معي أحد ، وطئتهم بسخطي ودستهم بغضبي فأنتضح عصيرهم على ثيابي فلطخت ملبوسي كله ) هكذا نرى القديس الذي يرمز الى المسيح هو وحده قضى على التنين الذي يمثل الوثنية التي كانت تسجد لأصنامها الشعوب لوحده . التنين في ” رؤ 20:1-3 ” يدخل في ضمن المثلث الشيطاني ( التنين 3″12 ، وحش البحر 1:13 ) وحش الأرض أو النبي الكذاب ( 11:13 ، 20:19 ) إلا أن التنين الذي هو الحية الجهنمية والشيطان . جائت ساعته ، كان حاضراً في التاريخ منذ السقطة الأصلية ” تك 1:3 ” . كان تدخل المسيح الفارس السبب في هزيمة الحية القديمة ( التنين ) . فكرة الموضوع أخذت من هذه الآيات ، فصارت أيقونة جميلة وشعاراً لهذا القديس العظيم وأبرز تكريم  يخلد نضاله  البطولي .

نطلب شفاعة مار كوركيس الشهيد وصلواته ليحفظ الكنيسة الجامعة في العالم كله .  

 

 

..

يمكنك مشاهدة المقال على منتدى مانكيش من هنا

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!