آثارنا المسيحية المنْسيّة في قرغيزستان

الكاتب: مسعود هرمز

آثارنا المسيحية المنْسيّة في قرغيزستان
مقدمة
قرغيزستان إحدى الجمهوريات الخمس في آسيا الوسطى التي ظهرت بعد انهيار الأتحاد السوفياتي في عام 1991، حدود هذه الجمهورية هي كلٍ من: كازاخستان والصين وطاجيكستان واوزبكستان، نفوسها خمسة ملايين نسمة أو أكثر بقليل. سأتحدث باختصار عن انتشار المسيحية فيها وحالها اليوم وآثارنا المنسيّة هناك.
انتشار المسيحية
بعد صعود الرب وحلول الروح القدس على التلاميذ، بدات البُشرى في الأنتقال الى البلدان المجاورة لفلسطين حتى وصلت غرب آسيا ومنها الى الصين عبر الطريق المُسمى بالحرير. بدأ المُبشّرون في السير عبر الوديان والجبال والطُرق الوعرة لتأسيس ووضع أحجار الأسس الأيمانية التي آمنوا بها بكلِّ صدقٍ وإخلاص. نحن مدينون جداً الى أولئك العظام الذين أستطاعوا التغلب على جميع المصاعب التي صادفتهم إن كانت من الطبيعة أو من الحيوانات المُفترسة أو من السكان الذي أستطاعوا التحدث اليهم بلُغّتهم الجديدة. منذ ذلك الوقت بدأت المعجزة في وضع تعاليم الرب موضع التنفيذ في جذب البشر الى الأيمان الحقيقي بقوّة الروح القدس الذي كان يُرافقهم ويُساعدهم. دولة قرغيزستان من البلدان التي حققت البُشرى نجاحاً فيها.
إنتشرت المسيحية في قرغيزستان في القرنين الخامس والسادس للميلاد على يد المُبشرين المسيحيين النساطرة الذين بدأوا في نشر المسيحية في آسيا الوسطى ومركزها (المصدر 1). لقد حافظت الكنيسة على حظورها هناك لأكثر من خمسمائة سنة، وبحلول القرن الثالث عشر للميلاد، كان للكنيسة خمسة وعشرين أسقفاً يخدمون الرعايا في تلك البلدان ويترأسون خمس وسبعين أبرشية أو مقاطعة في أنحاء أسيا (نفس المصدر السابق). بعد فترة قصيرة إنحسرت الكنيسة وبدأ دورها في التراجع نتيجة غزوات جنكيزخان والمغول.
الشاخص للعيان في الوقت الحاضر الأديرة التي أسسها النساطرة في هذا البلد وحتى الصين وأوربا، وفي القرنين 14 و15 قدمت الى هذا البلد البعثات التبشيرية لخلق الطوائف والمذاهب، وبدأ المبشرون الفرنسيسكان في نشر رسالتهم وعملهم بين السكان وكسبهم الى العقيدة التي يؤمنون بها، وفي نهاية القرن 19 تحققت آمال الكاثوليك في التبشير والوصول الى هذه الدولة وتأسيس جذورهم العميقة فيها (المصادر2 و 3)، وقد ازداد ذلك بعد أن أمر رئيس الأتحاد السوفياتي آنذاك جوزيف ستالين بترحيل عشرات الآلاف من الكاثوليك الى قرغيزستان في القرن الماضي (ألمصدر3) وبالفعل تم تأسيس أول ابرشية في الستينات من ذلك القرن، وفي نهاية الثمانينات أنيطت ادارة الكاثوليك بالآباء اليسوعيين.
آبائنا وأجدادنا وانتشار الأيمان
نستنتج من المصادر التاريخية بأن آبائنا الأوائل ومن كنيستنا المشرقية بالذات هُم الذين وضعوا اللُبنات الأولى للمسيحية بتعاليم مار نسطورس حتى وإن كان على إختلاف مع الآخرين في العقيدة والتفسير اللاهوتي، كانت غاية المبشرون الوحيدة تلمذة البشر في انحاء العالم، ولم تكُن تُسيطر على عقولهم التفاسير اللاهوتية العميقة والأختلافات عن شخصية الرب يسوع بالرغم من أنها أدت أحياناً الى الأنشقاقات، كل ما كانوا يتمنون بهِ هو الأيمان بالمسيح ونشر الرسالة والوصايا والصلاة كما جاءت في الكتب، ومن ثم نقلها الى الشعوب المُتعطشين الى معرفة الرب يسوع المسيح، يا تُرى كم من الآثار المنسية لتاريخ تلك الشعوب التي قامت بالتبشير في مناطق بعيدة جدا عن سُكناها؟ وكم من الكنائس والأديرة والمقابر للقديسين هناك؟ هل نُفكّر في البحث عن آثار الآباء العظام من تاريخ وكتب كنسية وصُلبان وأيقونات ومقابر القديسين؟ هل يبحث البعض الآن ويدرس ليستفاد من الطرق التي أستطاع أولئك القدامى في نشر ايمانهم بدون العملات الذهبية والفضية والدولار لكي يحذون حذوهم في نشر الأيمان في مناطق العالم الكثيرة التي لا تعلم من هو يسوع المسيح الى هذا اليوم؟ ماذا بقي من آثارنا المسيحية المنسيّة هناك والى أين نحن سائرون؟ ألم تكُن كنيسة المشرق الرائدة من بين الكنائس الثلاث في العالم؟ لماذا انحسرت تلك الكنيسة العظيمة وإختفى دورها ومن هو السبب في ذلك؟ لماذا تقلّصت وأصبحت حالياً من 13 ارسالية كاثوليكية وراهبات فقط؟ بالأضافة الى ابرشية اخرى واحدة في مدينة بيشكْكْ العاصمة. مسؤولية هذه الأرساليات تقديم الخدمات الى 30 مجموعة صغيرة من التجمعات الكاثوليكية المنتشرة في انحاد البلاد والتي يتكون كل تجمّعٍ منها من عدة اشخاص أو بعض العشرات فقط!(المصدر3).
الكنيسة في الدول المجاورة الى قرغيزستان
الكنيسة الكاثوليكية لها جذور عميقة في كازاخستان المجاورة(المصدر 4). يقول المؤرخون في جامعة طشقند بأن المسيحية انتشرت في القرن الميلادي الثاني في مدينة مرو أو مرف والمعروفة اليوم بأسم ماري والواقعة على الحدود مع أوزبكستان في كازاخستان الجنوبية. لقد خسر الرومان المعركة مع الفرس وكان هناك أشخاص مسيحيين بين الجنود الذين وقعوا أسرى بيد الفرس واولئك بدأوا في نشر المسيحية( المصدر4)، يذكر أحد الأساقفة بوجود دير للروم الملكيين في نفس المكان في نهاية القرن الرابع وبداية القرن الخامس.
أما في الجنوب فكانت هناك تجمعات للنساطرة. وتحت حكم البطريرك النسطوري حتى القرن 13 للميلاد، فكان هناك 25 مترابوليطية( رئاسة أسقفية) وحوالي 150 أسقفاً تابعين الى الكنيسة النسطورية (المصدر4). من بين الأساقفة المطران أيليا الذي هو من المحتمل قد قام في النصف الثاني من القرن السابع بكسب الكثير من الأتراك الى الديانة المسيحية وله الفضل الكبير في نشر المسيحية في ذلك البلد، وفي القرنين السابع والثامن انتشرت النسطورية في تركمانستان وجنوب كازاخستان، وفي القرنين التاسع والعاشر تأسست مترابوليطية في كارلوكي ولا زالت الكنائس المسيحية شاخصة الى اليوم في تراز وميركي(المصدر4).
وفي الصين ازدهرت المسيحية النسطورية لأكثر من قرنين من الزمان حتى نهاية حكم تانغ عندما بدأ البوذيين في نشر مبادئهم حوالي سنة 845 ميلادية وبداية الأضطهاد الديني الذي أثر بشكلٍ كبير على استقرار المسيحيين وتراجعهم (المصدر6).
سنة 1009 للميلاد وأهميتها في التاريخ المسيحي
استطاع المبشرون النساطرة في سنة 1009 للميلاد من تعميذ فئات عديدة من المغول وقد أتخذ أحد الكبار الذي كان اسمه خان، إسماً مسيحياً مارك أو مرقس، وفي تلك الفترة نفسها استطاع النساطرة من نشر المسيحية بين الشعوب الأخرى في آسيا الوسطى(المصدر4)، حيث تأسست مترابوليطية في كجغار من مقاطعة شينجيانغ الصينية ونافاغيتا. كان للمسيحيين النساطرة شعبية قوية في المحاكم، وكانت النساء النبيلات في المحاكم مسيحيات، بالأضافة الى ذلك فان الوزارات المهمة في منطقتي أوغور وكيراتي كانوا في أغلب الأحيان من النساطرة. وعلينا أن لا ننسى بأن كنيستنا المشرقية قد قادها بكل ثقة وجدارة الجاثاليق أو البطريرك المغولي المثلث الرحمات يهبالاها الثالث الذي تم انتخابه للسدّة البطريركية سنة 1281 ميلادية وأستمر في قيادة كنيسة المشرق الرسولية حتى سنة 1317 للميلاد.
آسيا موطناً لثلث المسيحيين في العالم
كان مقر البطريركية في سلوقية في بلد بين النهرين، وكان للبطريرك سلطات روحية في ذلك الوقت أكثر من سلطات البابا في الغرب، حيث كانت تأثيراته وإرشاداته توازي بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية في القسطنطينية، وفي نهاية القرن الحادي عشر كانت تُشكّل آسيا لوحدها حوالي ثُلث المسيحيين في العالم، وكان ايمان أولئك المسيحيين أعمق جذوراً من الثقافة التي كانت موجودة في أوربا (المصدر5).
وفي الختام، أقدّم الشكر لكل من قام بتأليف وتصوير آثارنا المنسية ونشرها في المواقع التي سنُشاهد بعضاً منها في هذه المقالة.
مسعود هرمز النوفلي
8/6/2012 ………………………..
المصادر والصور
المصدر(1)  http://www.hyperhistory.net/apwh/essays/cot/t2w15kyrgyzstan.htm
المصدر(2)
http://www.kyrgyzstan.pl/en/articles/popularscientific/96-kociol-katolicki-w-kirgizji-historia.html
المصدر(3)
http://www.catholic-kyrgyzstan.org
المصدر(4)
http://www.catholic-kazakhstan.org/hist/hist.html
 
المصدر(5)
http://www.christiansofiraq.com/how-christianity-died.html
المصدر(6)
http://asianhistory.about.com/od/centralasia/a/History-of-Nestorian-Christianity.htm
المصدر(7)
http://en.wikipedia.org/wiki/Christianity_in_Asia
 
الصليب المنقوش على الحجر  تم العثور عليه في منطقة اسيك كول من محافظة كراكول في قرغيزستان سنة 1312
كاتدرائية كراكول
 
 
(المصدر8)، أوراق من كتاب في اللغة السريانية(استرنكَيلي) في نهاية القرن الخامس للميلاد.
http://www.nestorian.org/nestorian_documents.html
 
 
(المصدر9) ، صليب من الهند
http://www.nestorian.org/the_nestorians_in_india_.html
(المصدر10)، كلمات لأسماء المبشرين الآشوريين في اللغتين الآرامية(أسترنكَيلي) والصينية.
http://www.nestorian.org/the_nestorians_in_china___the_.html
 
المصدر(11)، حجر لقبر في قرغيزستان.
http://www.nestorian.org/the_nestorians_in_central_asia.html
 
 
 
 ..