مقالات دينية

هل يتدخل الله في حياة البشر؟ وكيف؟

لويس

لويس إقليمس     

هل يتدخل الله في حياة البشر؟ وكيف؟

لويس إقليمس

بغداد، في آب 2017

قد يختلف مفهومُ البشر ورؤيتُهم حول الطريقة التي يتدخل بها الله الخالق في حياة الإنسان، عبر الوسائل المتعددة التي عرفتها البشرية منذ نشأة الخلق. ولعلّ من هذه الوسائل، ما عرفته وأقرّته بعض الأديان التي تؤمن بقدرة السماء وخالق الأكوان لحصول مثل هذا التدخل. فقد تشكل المعجزاتُ جزءًا مهمًّا لمثل هذا التدخل، نظرًا لما لصدى الأعجوبة (المعجزة)، وما تعنيه هذه في طبيعتها ومسبّباتها وهدفها والنتائج المترتبة عليها، من أهمية في حياة نوعٍ من البشر المؤمن بها، ومنها المسيحية التي تنفرد دون غيرها من الأديان، بقدرة إيمانية جلية المفاعيل، لكونها تتصل بالقدرة الإلهية عبر وسطاء من أبرار وقديسين عاشوا حياة البرّ والتقوى ومخافة الله وخدموا العالم والمجتمعات بكثير من العفّة والنقاوة، وأيضًا بشيء وافرٍ من المحبة والإيمان والرجاء.

المعجزة “الأعجوبة”، علامة بارزة

المعجزة أو الأعجوبة بحسب المعروف عنها، أنها وسيلة أو علامة من علامات تدخل الله الخالق في حياة مخلوقاته من بشر وحيوان ودبيب وما سواها. وهي اصطلاحًا، تتعدّى العقل في نظر البشر، بل تتحدّاه. ومن ثمّ، فهي ليست مقتصرة على حالة شفاء من مرضٍ نادرٍ يصعب معه تفسيرُها علميًا وطبيًا، بل هي قد تنسحبُ إضافة لمثل هذه الوقائع، على ما سواها من أعمالٍ طبيعية مختلفة خارقة تتعدّى المعتاد في حياة البشر. وهو ما يُنسب إلى قوّة خارقة اعتدنا القول بوقوفها خلف هذه الخوارق، ممّا يصعب على العلم والطب وعقلِ البشر تفسيرُه وفهمُه ضمن محددات العقل البشري، مهما سما هذا الأخير وتطوّر. من هنا، لن يكون للطبيعة البشرية وما عليها من علوم مهما تقدمت، فضلٌ في تفسير الأعجوبة، وإلاّ انتفت الحاجة لوصف مثل هذا العمل الخارق بالأعجوبة. وقد تكون الأعجوبة بمثابة علامة مميزة لإعطاء درسٍ معيّن لفئة أو منطقة دون غيرها، بحسب حكمة الله وتدبيره. وبغض النظر عن حالة الشكّ أو اليقين الملفوف بنبرة إيمانية حيال هذا العمل الخارق، يجوز للمرء أن يتساءل: هل يمكن القبول بالمعجزات في عصرنا هذا في ضوء تطوّر العلم بمختلف نوافذه وأشكاله؟ وهل من ثمّة تداخل في حقائق المعجزات التي يعجز العلم عن تفسيرها أو تلك الناجمة عن أعمال سحر وشعوذة؟

للحديث عن الأعجوبة، لا بدّ من إظهار أنّ ما يحصل يفوق قوى الطبيعة. وهنا، لا ينبغي الخلط بين العلم والإيمان، بين الروحيّ والنفسيّ الذي تقرّه أساسيات علم النفس ونظرياتُه وتطور مراحله. في الجانب الآخر، وعن التفسيرات المتاحة لشكل الأعجوبة وطبيعتها وقدرتها الظاهرة، يميل أهلُ الشرق أكثر من غيرهم، للإيمان بالأعمال الخارقة التي نسمّيها بالأعجوبة أو المعجزة. وليس من شكّ في طبيعة مثل هذا الإيمان الذي قد تتسم به شعوبُ بلدان أخرى تعيش في بحبوحة الفكر وارتقاء العلم وتطوّر الزمن. لقد عرفت شعوب المنطقة التقليدية، تدخلَ الله في حياة أسلافهم وحضاراتهم أكثر من غيرهم، بحسب ما يحدثنا به تاريخ تلك الحضارات. ولعلّ الكتاب المقدّس “التوراة”، يحكي لنا الكثير من أمثال هذه التدخلات الإلهية في حياة شعوب الأقدمين. ومن أمثالها، حادثة الطو*فا*ن العجائبية التي بها عاقب اللهُ البشرَ خليقتَه بسبب جنوحهم. ومثلُها عقوبتُه لشعبه اليهوديّ المختار، ولشعب مصر عبر الضربات المؤلمة العديدة التي توخى منها الإصلاح والعودة عن المآثم نحو عبادته ثانية عندما كسروا الوعد.

         عمومًا، أية أعجوبة، لا بدّ أن تقترن بما نسمّيه “الإيمان”، كي يتقبلها الشخص عندما تفوق قدرته على التصديق والتفسير. فأساسُها ومحورُ تفسيرها سيبقى دينيًا وروحانيًا مرتبطًا بشيءٍ من القدسية. والعقل البشري، عندما يعجز عن تفسير عملٍ خارق، حينئذٍ يأتي دورُ الإيمان الذي يغذّيه الدّين أو المعتقد الذي يتدخل لتوضيح ما حصل من فعلٍ خارق، وتسهيل فهم البشر بموجبه للفعل القائم الحاصل الذي يعدّه البعض “نعمة” كبرى من لدن القدرة الإلهية الخارقة، تجاه شخصٍ أو شريحة من البشر تعيش ظاهرةً غير طبيعية من عطاء الله لفترة أو حقبة غير محددة المساحة أو الإمكانية. ولئن كانت شعوبٌ أخرى خارج حدود منطقة الشرق قد عرفت مثل هذه الظواهر والأعمال الخارقة، كبلاد اليونان القديمة والصين وشعوبٌ غيرها، كما يحكي التاريخ، إلاّ أن هذه قد اتخذت طابعَها الروحي المقدّس عبر الأعاجيب التي اجترحها عيسى بن مريم “المسيح” في زمانه. وبسببها آمن به كثيرون وساروا خلفَه، مدفوعين بإيمانهم بقدرته وحكمتِه وقربِه من الله الخالق، ابيه السماوي. بل صاروا يتبعونه حيثما يسير ويتجه ويتنقل في مدن وقرى فلسطين في حقبة حكم القيصر على المنطقة، متشحين بهذه القوة الإيمانية به. وهذا ما كان يقولُه المسيح للذي يُشفى “إيمانُك قد خلّصك”. وفي الشرق اليوم، عمومُ الكنائس الرسولية الأصيلة، كاثوليكية وأرثوذكسية ونسطورية، تقرّ بهذا الجانب وتكرّم القديسين والأبرار الذين على أيديهم حصلتْ معجزات منذ نشأة المسيحية. كما تكرّمُ أجساد القديسين الذي احتفظوا بأشكالهم وهيئاتهم، وترى فيها معجزات إلهية تستحقّ التكريم والاحترام.

الأعجوبة في نظر الأديان

يحدثنا التاريخ، أنّ بعضًا من أصفياء الله، قد قاموا بأعمال خارقة، شبيهة بالتي قام بها المسيح، ومنهم الأنبياء الذين كانوا يتحدثون باسم الربّ، كما يشير الكتاب المقدس. فإيليا مثلاً، هو الآخر أقامَ الموتى. وموسى بعصاه السحرية، شقّ البحر الأحمر لتسهيل عبور الإ*سر*ائي*ليين “شعب الله المختار” الذي كان زاغَ عن عبادته ودعاه للعودة إلى حياة البرّ والتوبة وعبادته هو وليس غيره لكونه ربَّهم الحقيقي. لكنَّ اجتراحَ الأعاجيب والمعجزات كانت بدأتْ عهدًا متميزًا مع قدوم المسيح، ومن بعده الرسل والقديسين بفضل الكرامات والشفاعات التي منحهم إياها ربّ الأكوانُ. فاللهُ لا ينسى عبادَه ويركنهم من دون تكريم ولا تذكار أو تذكير بالصنيع الطيب الذي فعلوه في حياتهم وبتمجيدهم إياه. وما فعله المسيح من معجزات ماثلات وبيّنات واضحات من شفاء للعديد من الأشخاص المبتلين بأمراض متنوعة ومستعصية ومن إقامة للموتى من أمثال لعازر، ومن تكثير للخبز والسمك على الشاطئ وسط الجموع المحتشدة لسماعه، وتكثيره الخمر في عرس قانا، وأخرى غيرُها، كلّها خير شاهدٍ على قدرته الإلهية التي تميّز بها والتي لم يرتقي إليها غيرُه. بل إنّ ما ادّعاه ويدّعيه غيره من الأنبياء الكذبة باجتراح معجزات، يدحضه التاريخ والعلم والواقع على السواء.

إنَّ نظرة سريعة إلى سلوك وأبجديات بعض الديانات أو المعتقدات أو المذاهب التي عرفتها الإنسانية، ندرك من خلالها، عدم إقرار بعضها بفاعلية المعجزات على أيدي أولياء الله، ولا بكينونتها أو وجودها. وهذه بمعظمها، تنسبُ كلّ شيء خارق، ربّما للأقدار، أو أحيانًا للقدرة الإلهية دون غيرها، وما هؤلاء الأولياء والأبرار من البشر الذين تجري على أيديهم هذه البيّنات سوى وسطاء ضعفاء لدى الله. فالإسلام مثلاً، لا يقرّ بشيء اسمُه معجزة إلا القرآن الذي يُعدّ إعجازًا بيّنًا دون سواه. والبوذية، تنسبُ الأحداث الخارقة التي تصاحب حياة أتباعها، إلى وجود قدرات عجائبية ناجمة في الأساس عن عمل داخليّ ذاتيّ ليس له شأنٌ بتدخّل آلهة (إله) خارجية. فيما عند الهندوسية، تظهر المعجزات باعتبارها أمورًا شاذة خارجة عن المعتاد وليست بمثابة مظاهر اعتيادية من العلاقة القائمة بين الأشياء. فمن الممكن، بحسب البعض، لمن يمارس رياضة اليوغا المعروفة في هذه الديانة، أن يحصل المعلّم على قدرات فائقة تصل لوصفها بالمعجزة، مثل القدرة على تقليل الطول والحجم وبلوغ خفّة الريش في لحظة من اللحظات. أمّا اليهودية، فهي توقن بكون الله هو “الشافي الحقيقي”، وأنّ أيّة معجزة تحصل، تشهدُ لقدرته وحده وليسَ لغيرِه. كما أنها لا تنكر الخوارق التي قام بها الأنبياء، كما يصفها التوراة، بل تنسب أمثال هذه الأعمال وغيرها ضمن تقليدها، إلى شاكلتها على عهد الأنبياء من أمثال إيليا وإليشاع. إلى جانب كلّ هذا، فإن بعض الفرق المسيحية، مثل البروتستانتية عمومًا، لا تقرّ بشيء يُسمى بالمعجزة، لاعتقادها بأنّ الإيمان ليس بحاجة إلى معجزات، ومن هنا كان رفضُها لهذا الجانب.

الأعجوبة في الكنيسة الكاثوليكية

ليس مثلَ الكنيسة مَن دافع ونظّم ودقّق بالأعاجيب التي عزّزت مسيرة المسيحية وأتباعها وحفظت كرامات الأبرار والصدّيقين والقدّيسين من أصحاب الشفاعات والكرامات. فقد رافقت مثلُ هذه الأعمال الخارقة حياةَ الكنيسة منذ نشأتها بعد صعود المسيح إلى السماء وجلوسه عن يمين الآب السماوي وإرساله المعزّي، الروح القدس الذي ثبّتَ الكنيسة ورجالها في تلك الحقبة الصعبة. وقد تواصلت أمثال هذه الأعمال الخارقة من شفاء للمرضى وإقامة للموتى، منذ عهد الرسل الأوائل، وعلى مرّ التاريخ والظروف، زمانًا ومكانًا. فكان للقديسين مكانة متميزة وسط مجتمعاتهم وكنائسهم. بل إنّ دورَهم في تعزيز دعائم الإيمان حبًا بالمسيح وعروسه الكنيسة المقدسة، يُعدّ مكمِّلاً لعمل ربهم ولعمل الروح القدس وسط الأمواج العاتية من أنواع الحقد والكراهية وأعمال البطش والق*ت*ل والتنكيل التي تعرّضت لها هي ومؤمنوها عبر التاريخ، وماتزال شاهدة وشهيدة لغاية الساعة. وبحسب السجلّ الرسميّ للأعاجيب التي أقرّتها الرئاسة الكنسية الكاثوليكية مثلاً، طيلة حقبة القرون الأربعة المنصرمة، وبالأخصّ الشفائية منها، هناك ما يربو على 1100 حالة دخلت دارة الأعجوبة، بتسجيلها بمثابة شفاءات خارقة عجزَ العلمُ والطبُ تشخيصها وتفسيرَها، ولاسيّما مثل أمراض الشلل والسرطان صعبة الشفاء عادة، إضافة لأكثر من 100 حالة أخرى وُصفت بالعمل غير الطبيعيّ الذي يعجز وصفُه.

تأتي مدينة لورد بالدرجة الأولى، ضمن المناطق أو المدن التي يقصدُها أصحاب الحاجات والأمراض المستعصية، محمّلين بالإيمان واليقين بقدرة السماء على تحقيق أمنياتهم المصحوبة بالصلاة والثقة بمَن يلتجئون إليها. فقد أضحت لورد ظاهرة عالمية تستقطب هؤلاء، وكذلك غيرهم من الواثقين والمؤمنين بقدرة السماء كي يروا بأمّ أعينهم تلك الحشود التقية التي تصلّي وتضرع، طالبةً مواهب الروح وشفاعة العذراء للنقاهة من عاهة أو التخلّص من معضلة، قد تكون شفاءً للروح والجسد والفكر معًا. وبطبيعة الحال، هناك مزارات أخرى كثيرة حول العالم تستقدم زوارًا وحجّاجًا بقصد معاينة مواقع حصلت فيها أعاجيب عبر التاريخ، ومنها بلدتا فاطمة وساليت في فرنسا حيث ظهورات العذراء لفتيان وفتيات، غالبًا ما كانوا بشبه رعاة بسطاء يتفقدون المروج رعيًا للماشية. كما نالت مدينة ميديوغوريه في البوسنة حظًّا وافرًا من اهتمام الزوار منذ الإعلان عن ظهورات للعذراء في عام 1981، وكذلك مدينة غوادلوبي في المكسيك التي يُشار إلى ظهور العذراء فيها لمواطن هندي في عام 1531. وقصّة هذه المزارات لا تختلف عن تلك التي أتينا على ذكرها. فجميعُها تشترك بظاهرة ظهور العذراء مريم لأشخاص أدلوا بشهاداتهم وقد وثّقتها الدوائر الكنسية، فاكتسبت صفة مزار واستقطبت الملايين سنويًا، كما حققت شهرتها بحصول أعاجيب شفاء عجز العلم عن فهمها وتفسيرها.

إلى جانب هذا النوع من المعجزات أو الأعاجيب، يقف بعض العلماء منذ السبعينات من القرن الماضي، في حيرة أمام نوعٍ آخر من أعمال خارقة وغاية في التعقيد، لاسيّما ما يُنسب إلى زوال عفويّ لآثار أمراضٍ غير قابلة الشفاء من أنواع السرطان الذي مازال الطبّ الحديث والقديم على السواء، عاجزين عن مجاراته وتقديم أدوية شافية منها. فعندما يختلط مفهوم الروحي والجسدي في مثل هذه الحالات، يجد الطب المعالج نفسَه خارج هذه السياقات وما يترتب على ذلك من تفسيرٍ مقنع باعتباره ظاهرة يصعب التنبّؤ بها وبنتائجها. ومع مطلع القرن العشرين، هناك مَن يجد أنّ الطب الوضعي القائم على منهج علميّ معروف دوليًا، وبما تيسر له من بيانات آمنة وقوية، قد أخلى الطريق لنوعٍ آخر من علوم طبية وجدها أكثر نسبية وواقعية بفعل تأثيرات وتحكّمات جانبية كثيرة، تفترض نوعًا من الريبة وضعف اليقين بما يرى ويسمع، بحسب العالم الاجتماعي Laëtitia Ogorzelec-Guinchard، الذي تطرّق في أحد مؤلفاته عن معجزات لورد المعترف بها والمثبتة بموجب لجان المعاينة والكشف والتحقيق والتدقيق.

ولكن السؤال الذي يتبادر إلى الذهن، ما هو موقف الكنيسة من مثل هذه المعجزات؟ وهل يمكن لها أن تصدّق كلَّ ما يُروى أو يوصف من دون دليلٍ أو تحليلٍ أو رأي علميّ؟ الكنيسة كانت منذ البدء تنظر إلى هذا الملف بعين النباهة والحرص والتمعّن والحذر الشديد. إزاء حصول مثل الطلبات أو الظواهر، تكثّف السلطات الكنسية في الكنيسة الرومانية من تدقيقها ولا تعبأ بأنواع الخداع أو التشويش التي قد تحصل أو تُثار. وهي تتخذ الإجراءات اللازمة التي تضمن تحقيقات كثيرة ومتشعبة وتؤدي زيارات وتستقبل شهود عيان وآخرين لهم صلة بما رأوا وسمعوا وعاينوا وشهدوا، مقترنة بالرأي الطبي النزيه الصادر من لجان متعددة تُشكَل لمثل هذا الغرض للوقوف على طبيعة الحالة وحيثياتها وموجباتها وفحص كلّ ما من شأنه المساعدة على التقييم وإصدار القرار الصحيح، طالما أنّ القرار أضحى خاضعًا لعمل قضائيّ وقانونيّ، وليس بيد فريق دينيّ أو كنسيّ فحسب.

لورد، لجنة طبية لفحص المعجزات

إن الكنيسة، تلافيًا لأية مهاترات أو إشاعات مغرضة لأي سبب كان، سواء بسبب هجمات مضادّة للكنيسة وعملها أو انتقادًا أو انتقاصًا من قيمة هذه الأعمال الخارقة التي ترقى إلى المعجزات، ومن أجل وضع حدّ للمشككّين بما يجري، فقد ارتأت السلطات الكاثوليكية في روما، تشكيل لجنة مختصة أو مكتب طبيّ في حينها أي في سنة 1883 في مدينة لورد الفرنسية حيث جرت العديد من الشفاءات الأعاجيبية. وما يزال هذا المكتب قائمًا يزاول نشاطه ومسؤوليتَه لغاية اليوم. وهناك مَن يجد أن مثل الإجراءات قد طالها نوعٌ من الاحتياطات المفرطة، بسبب تعقيدها وقساوتها بعض الشيء من جانب السلطة الكنسية العليا.

عمومًا، يمكن القول، أنّ عمل هذا المكتب قد طرأ عليه شيءٌ من التحديث في جمع المعلومات وفي التحليل والتدقيق والفحص وإصدار القرار، كي يتوافق مع ظروف العصر. وهو يعتمد على ثلاث ركائز أساسية لتقرير حالة الشفاء بأعجوبة من عدمه: شفاء غير متوقع، شفاء مؤكَّد، وشفاء عجائبيّ بالمعنى القانونيّ للحالة المشخّصة. وفي الوقت الذي كان من ضمن معايير اللجنة الأولية القديمة المشكلة في لورد عام 1734، عدم خضوع المريض مثلاً لأي علاج أو دواء، انتفى مثل هذا الشرط ضمن شروط المكتب الطبّي الجديد، كي يساير العصر. فالمعجزة من الممكن أن تتأكد أكثر عندما يرى الطبيب أو المريض نفسُه أنَّ الأدوية الموصى بتناولها لفترة طويلة نسبيًا لم تأتي بفائدة، وأن شيئًا خفيًا شعر به المريض في حالة لجوئه لشفاعة قديس أو بارٍّ يقدّم له شيئًا من الإكرام، كما يحصل مع طالبي شفاعة العذراء مريم مثلاً. يضيف الطبيب Patrick Theillier، الذي ترأس المكتب الطبي في لورد في فترات سابقة، بأنّ ما يحصل من أعمال شفاء نفسية أي داخلية، ينبغي أن يحظى هو الآخر، بالكثير من الاهتمام، لأن هذا النوع من شفاء النفس أكثر بكثير ممّا يحصل بشفاء الجسد والأعضاء البشرية التالفة، إن صحّ التعبير. وهذا النوع من الشفاء غير المرئي وغير المنظور بطبيعته، يُعدّ الجزء المغمور من كتلة الثلج الكبيرة الطافية، بل هي مَن تستحق الاهتمام والنظر بكونها معجزة، لأنها تغيّر الإنسان وتحوّل طبيعة حياته وتمكنه من قلبِها رأسًا iعلى عقب. وهذا هو الأهمّ في الرؤية البشرية.

 

هل يتدخل الله في حياة البشر؟ وكيف؟ | لويس إقليمس 

 

مقالات ذات صلة

Subscribe
نبّهني عن
guest
0 تعليقات
التقيمات المضمنة
عرض جميع التعليقات
زر الذهاب إلى الأعلى
Don`t copy text!